فصل: تفسير الآيات (1- 5):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (47- 50):

{إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آَذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47) وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (48) لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50)}
المعنى: أن وقت علم الساعة ومجيئها يرده كل مؤمن متكلم فيه إلى الله عز وجل. وذكر تعالى الثمار وخروجها من الأكمام وحمل الإناث مثالاً لجميع الأشياء، إذ كل شيء خفي فهو في حكم هذين.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي والحسن وطلحة والأعمش: {من ثمرة} بالإفراد على أنه اسم جنس. وقرأ نافع وابن عامر: {ثمرات} بالجمع، واختلف عن عاصم وهي قراءة أبي جعفر وشيبة والأعرج والحسن بخلاف، وفي مصحف عبد الله: {في ثمرة من أكمامها}. والأكمام: جمع كم، وهو غلاف التمر قبل ظهوره.
وقوله تعالى: {ويوم يناديهم} تقديره: واذكر يوم يناديهم والضمير في: {يناديهم} ظاهره والأسبق فيه أنه يريد به الكفار عبدة الأوثان. ويحتمل أن يريد به كل من عبد من دون الله من إنسان وغيره، وفي هذا ضعف، وإنما الضمير في قوله: {وضل عنهم} فلا احتمال لعودته إلا على الكفار. و: {آنذاك} قال ابن عباس وغيره معناه: أعلمناك {ما منا من شهيد} ولا من يشهد بأن لك شريكاً. {وضل عنهم} أي نسوا ما كانوا يقولون في الدنيا ويدعون من الآلهة والأصنام، ويحتمل أن يريد: {وضل عنهم} الأصنام، أي تلفت لهم فلم يجدوا منها نصراً وتلاشى لهم أمرها.
وقوله: {وظنوا} يحتمل أن يكون متصلاً بما قبله ويكون الوقف عليه، ويكون قوله: {ما لهم من محيص} استئناف نفي أن يكون لهم منجى أو موضع روغان، يقول: حاص الرجل: إذا راغ يطلب النجاة من شيء، ومنه الحديث: فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب، ويكون الظن على هذا التأويل على بابه، أي ظنوا أن هذه المقالة: {ما منا من شهيد} منجاة لهم، أو أمر يموهون به، ويحتمل أن يكون الوقف في قوله: {من قبل}، ويكون: {وظنوا} منصلاً بقوله: {ما لهم من محيص} أي ظنوا ذلك، ويكون الظن على هذا التأويل بمعنى اليقين وبه فسر السدي، وهذه عبارة يطلقها أهل اللسان على الظن، ولست تجد ذلك إلا فيما علم علماً قوياً وتقرر في النفس ولم يتلبس به بعد، وإلا فمتى تلبس بالشيء وحصل تحت إدراك الحواس فلست تجدهم يوقعون عليه لفظة الظن.
وقوله تعالى: {لا يسئم الإنسان} آيات نزلت في كفار قريش، قيل في الوليد بن المغيرة، وقيل في عتبة بن ربيعة، وجل الآية يعطي أنها نزلت في كفار وإن كان أولها يتضمن خلقاً ربما شارك فيه بعض المؤمنين. و: {دعاء الخير} إضافته المصدر إلى المفعول، والفاعل محذوف تقديره: من دعاء الخير هو. وفي مصحف ابن مسعود: {من دعاء بالخير}. و{الخير} في هذه الآية: المال والصحة، وبذلك تليق الآية بالكافر، وإن قدرناه خير الآخرة فهي للمؤمن، وأما اليأس والقنط على الإطلاق فمن صفة الكافر وحده.
وقوله تعالى: {ليقولن هذا لي} أي بعلمي وبما سعيت، ولا يرى أن النعم إنما هي بتفضل من الله تعالى: {وما أظن الساعة قائمة} قول بيّن فيه الجحد والكفر. ثم يقول هذا الكافر، ولئن كان ثم رجوع كما تقولون، لتكونن لي حال ترضيني من غنى ومال وبنين، فتوعدهم الله تعالى بأنه سيعرفهم بأعمالهم الخبيثة مع إذاقتهم العذاب عليها، فهذا عذاب وخزي. وغلظ العذاب شدته وصعوبته. وقال الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: للكافر أمنيتان، أما في دنياه فهذه: {إن لي عنده للحسنى}. وأما في آخرته: {فيا ليتني كنت تراباً} [النبأ: 40].
قال القاضي أبو محمد: والأماني على الله تعالى وترك الجد في الطاعة مذموم لكل أحد، فقد قال عليه السلام: الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله.

.تفسير الآيات (51- 54):

{وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ (51) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (52) سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53) أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54)}
ذكر الله تعالى الخلق الذميمة من الإنسان جملة، وهي في الكفار بينه متمكنة، وأما المؤمن في الأغلب فيشكر عند النعمة، وكثيراً ما يصبر عند الشدة.
وقرأ جمهور والناس: {ونأى بجانبه} الهمزة عين الفعل. وقرأ ابن عامر: {وناء} الهمزة لام الفعل، وهي قراءة أبي جعفر، والمعنى فيهما واحد. قال أبو علي: ناء قلب ابن آدم فعل فلع، ومنه قول الشاعر [كثير]: [الطويل]
وكل خليل راءني فهو قائل ** من اجلك هذا هامة اليوم أو غد

ومنه قول الآخر: [الطويل]
وقد شاءني أهل السباق وأمعنوا

{ونأى} معناه: بعد ولم يمل إلى شكر ولا طاعة.
وقوله: {فذو دعاء عريض} أي طويل أيضاً، فاستغنى بالصفة الواحدة عن لزيمتها، إذ العرض يقتضي الطول ويتضمنه، ولم يقل طويل، لأن الطويل قد لا يكون عريضاً، ف {عريض} أدل على الكثرة. ثم أمر تعالى نبيه أن يقف قريشاً على هذا الاحتجاج وموضع تغريرهم بأنفسهم فقال: {أرأيتم إن كان} هذا الشرع {من عند الله} وبأمره وخالفتموه أنتم، ألستم على هلكة من قبل الله تعالى، فمن أضل ممن يبقى على مثل هذا الغرر مع الله، وهذا هو الشقاق، ثم وعد تعالى نبيه عليه السلام بأنه سيري الكفار آياته.
واختلف المتأولون في معنى قوله: {في الآفاق وفي أنفسهم} فقال المنهال والسدي وجماعة: هو وعد بما يفتحه الله تعالى على رسوله من الأقطار حول مكة، وفي غير ذلك من الأرض كخيبر ونحوها. {وفي أنفسهم} أراد به فتح مكة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا تأويل حسن ينتظم الإعلام بغيب ظهر وجوده بعد كذلك ويجري معه لفظ الاستئناف الذي في الفعل.
وقال الضحاك وقتادة: {سنريهم آياتنا في الآفاق} هو ما أصاب الأمم المكذبة في أقطار الأرض قديماً {وفي أنفسهم} يوم بدر، وقال ابن زيد وعطاء: {الآفاق}: آفاق السماء. وأراد: الآيات: في الشمس والقمر والرياح وغير لك. {وفي أنفسهم} عبرة الإنسان بجسمه وحواسه وغريب خلقته وتدريجه في البطن ونحو ذلك، وهذه آيات قد كانت مرئية، فليس هذا المعنى يجري مع قوله: سنري والتأويل الأول أرجحها، والله أعلم. والضمير في قوله تعالى: {أنه الحق} عائد على الشرع والقرآن، فبإظهار الله إياه وفتح البلاد عليه تبين لهم أنه الحق.
ثم قال تعالى وعداً لنبيه عليه السلام: {أولم يكف بربك} والتقدير: أولم يكف ربك، والباء زائدة للتأكيد، وأنه يحتمل أن يكون في موضع رفع على البدل من الموضع، إذ التقدير: أولم يكف ربك، ويحتمل أن يكون في موضع خفض على البدل من اللفظ، وهذا كله بدل الاشتمال، ويصح أن يكون في موضع نصب على إسقاط حرف الجر، أي لأنه على كل شيء شهيد.
وقرأ الجمهور: {أنه} بفتح الألف، وقرأ بعض الناس {إنه} بكسرها على الاعتراض أثناء القول.
وقوله: {ألا} استفتاح يقتضي إقبال السامع على ما يقال له، فاستفتح الإخبار على أنهم في شك وريب وضلال أداهم إلى الشك في البعث.
وقرأ جمهور الناس: {في مِرية} بكسر الميم. وقرأ أبو عبد الرحمن والحسن: {في مُرية} بضم الميم، والمعنى واحد، ثم استفتح الإخبار بإحاطته بكل شيء على معنى الوعيد لهم، وإحاطته تعالى هي بالقدرة والسلطان، لا إله إلا هو، العزيز الحكيم.
نجز تفسير سورة {حم} السجدة، والحمد لله رب العالمين.

.سورة الشورى:

.تفسير الآيات (1- 5):

{حم (1) عسق (2) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5)}
فصلت: {حم} من: {عسق}، ولم يفعل ذلك ب {كهيعص} [مريم: 1] لتجري هذه مجرى الحواميم أخواتها.
وقرأ الجمهور: {حم عسق}. وقرأ ابن مسعود وابن عباس: {حم سق} بسقوط عين، والأقوال في هذه كالأقوال في أوائل السور. وروى حذيفة في هذا حديثاً مضمنه: أنه سيكون في هذه الأمة مدينتان يشقهما نهر بالمشرق، تهلك إحداهما ليلاً ثم تصبح الأخرى سالمة، فيجتمع فيها جبابرة المدينتين متعجبين من سلامتها، فتهلك من الليلة القابلة، وأن {حم} معناه: حم هذه الأمر. وعين: معناه عدلاً من الله. وسين: سيكون ذلك. وقاف: معناه يقع ذلك بهم. وروي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يستفيد علم الفتن والحروب من هذه الأحرف التي في أوائل السور. والكاف في قوله: {كذلك} نعت لمصدر محذوف، والإشارة بذلك تختلف بحسب الأقوال في الحروف.
وقرأ جمهور القراء: {يوحي} بالياء على إسناد الفعل إلى الله تعالى، وهي قراءة الحسن والأعرج وأبي جعفر والجحدري وعيسى وطلحة والأعمش. وقرأ أبو حيوة والأعشى عن أبي بكر عن عاصم: {نوحي}: بنون العظمة، ويكون قوله: {الله} ابتداء وخبره: {العزيز} ويحتمل أن يكون خبره: {له ما في السماوات}. وقرأ ابن كثير وحده: {يوحَى} بالياء وفتح الحاء على بناء الفعل للمفعول، وهي قراءة مجاهد، والتقدير: يوحى إليك القرآن يوحيه الله، وكما قال الشاعر:
ليبك يزيد ضارع لخصومة

ومنه قوله تعالى: {يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال} [النور: 36].
وقوله تعالى: {وإلى الذين من قبلك} يريد من الأنبياء الذين نزلت عليهم الكتب.
وقوله تعالى: {له ما في السماوات} أي الملك والخلق والاختراع. و: {العلي} من علو القدر والسلطان. و: {العظيم} كذلك، وليس بعلو مسافة ولا عظم جرم، تعالى الله عن ذلك وقرأ نافع والكسائي: {يكاد} بالياء. وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة وأبو عمرو وعاصم: {تكاد} بالتاء. وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي ونافع وابن عباس وأبو جعفر وشيبة وقتادة: {يتفطرون} من التفطر، وهو مطاوع فطرت. وقرأ أبو عمرو وعاصم والحسن والأعرج وأبو رجاء والجحدري: {ينفطرون} من الإفطار وهو مطاوع فطر، والمعنى فيهما: يتصدعن ويتشققن من سرعة جريهن خضوعاً وخشية من سلطان الله تعالى وتعظيماً له وطاعة، وما وقع للمفسرين هنا من ذكر الثقل ونحوه مردود، لأن الله تعالى لا يوصف به.
وقوله: {من فوقهن} أي من أعلاهن. وقال الأخفش علي بن سليمان: الضمير للكفار.
قال القاضي أبو محمد: المعنى من فوق الفرق والجماعات الملحدة التي من أجل أقوالها تكاد السماوات يتفطرن، فهذه الآية على هذا كالآية التي في:
{كهيعص} [مريم: 1]. وقالت فرقة معناه: من فوق الأرضين، إذ قد جرى ذكر الأرض، وذكر الزجاج أنه قرئ {يتفطرن ممن فوقهن}.
وقوله تعالى: {يسبحون بحمد ربهم} قيل معناه: يقولون سبحان الله، وقيل معناه: يصلون لربهم.
وقوله تعالى: {ويستغفرون لمن في الأرض} قالت فرقة: هذا منسوخ بقوله تعالى: في آية أخرى: {ويستغفرون للذين آمنوا} [غافر: 7] وهذا قول ضعيف، لأن النسخ في الإخبار لا يتصور. وقال السدي ما معناه: إن ظاهر الآية العموم ومعناها الخصوص في المؤمن، فكأنه قال: {ويستغفرون لمن في الأرض} من المؤمنين، إذ الكفار عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وقالت فرقة: بل هي على عمومها، لكن استغفار الملائكة ليس بطلب غفران الله تعالى للكفرة على أن يبقوا كفرة، وإنما استغفارهم لهم بمعنى طلب الهداية التي تؤدي إلى الغفران لهم، وكأن الملائكة تقول: اللهم اهد أهل الأرض واغفر لهم. ويؤيد هذا التأويل تأكيده صفة الغفران والرحمة لنفسه بالاستفتاح، وذلك قوله: {ألا إن الله هو الغفور الرحيم} أي لما كان الاستغفار لجميع من في الأرض يبعد أن يجاب، رجا عز وجل بأن استفتح الكلام تهيئة لنفس السامع فقال: {ألا إن الله} هو الذي يطلب هذا منه، إذ هذه أوصافه، وهو أهل المغفرة.

.تفسير الآيات (6- 9):

{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (9)}
هذه آية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ووعيد للكفار وإزالة عن النبي صلى الله عليه وسلم جميع الكلف سوى التبليغ فقط، لئلا يهتم بعدم إيمان قريش وغيرهم، فقال تعالى لنبيه: إن الذين اتخذوا الأصنام والأوثان أولياء من دون الله، الله هو الحفيظ عليهم كفرهم، المحصي لأعمالهم، المجازي لهم عليها بعذاب الآخرة، وأنت فلست بوكيل عليهم ولا ملازم لأمرهم حتى يؤمنوا. والوكيل: المقيم على الأمر، وما في هذا اللفظ من موادعة فهو منسوخ بآية السيف، ثم قال تعالى: {وكذلك أوحينا إليك} أي وكما قضينا أمرك هكذا وأمضيناه في هذه الصورة، كذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً مبيناً لهم، لا يحتاجون معه إلى آخر سواه ولا محتج غيره، إذ فهمه متأت لهم ولم يكلفك إلا إنذاراً من ذكر. و: {أم القرى} مكة، والمراد أهل مكة، ولذلك عطف {من}، وهي في الأغلب لمن يعقل. و: {يوم الجمع} هو يوم القيامة، واقتصر في {تنذر} على المفعول الأول، لأن المعنى: وتنذر أهل أم القرى العذاب، وتنذر الناس يوم الجمع، أي تخوفهم إياه لما فيه من عذاب من كفر، وسمي {يوم الجمع} لاجتماع أهل الأرض فيه بأهل السماء، أو لاجتماع بني آدم للعرض.
وقوله: {لا ريب فيه} أي في نفسه وذاته، وارتياب الكفار به: لا يعتد به.
وقوله: {فريق} مرتفع على خبر الابتداء المضمر، كأنه قال: هم فريق في الجنة، وفريق في السعير. ثم قوى تعالى تسلية نبيه عليه السلام بأن عرفه أن الأمر موقوف على مشيئة الله من إيمانهم أو كفرهم، وأنه لو أراد كونهم أمة واحدة لجمعهم عليه، ولكنه يدخل من سبقت له السعادة عنده في رحمته، وييسره في الدنيا لعمل أهل السعادة، وأن الظالمين بالكفر الميسرين لعمل الشقوة ما لهم من وليٍّ ولا نصير.
وقوله: {أم اتخذوا} كلام منقطع مما قبله، وليست معادلة، ولكن الكلام: كأنه أضرب عن حجة لهم أو مقالة مقررة فقال: {بل اتخذوا} هذا مشهور قول النحويين في مثل هذا، وذهب بعضهم إلى أن {أم} هذه هي بمنزلة ألف الاستفهام دون تقدير إضراب، ثم أثبت الحكم بأنه عز وجل هو الولي الذي تنفع ولايته، وأنه هو الذي يحيي الموتى ويحشرهم إلى الآخرة ويبعثهم من قبورهم، وأن قدرته على كل شيء تعطي هذا وتقتضيه.